الأربعاء، 24 فبراير 2010

يحيى قلاش يكتب: معاول صلاح عيسى!


مرة أخرى وليست أخيرة وبمناسبة إصدار الهيئة التأديبية بالنقابة عقوبات ضد زملاء خالفوا قرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع مع الكيان الصهيوني يعود الزميل الكبير صلاح عيسى بدأبه المعهود ليؤكد على أن اندفاع مجلس نقابة الصحفيين لاتخاذ إجراءات تأديبية ضد المطبعين من الصحفيين، هو مقامرة غير مأمونة العواقب، سوف تنتهي، على عكس ما يطيق الذين تحمسوا لها، بإضفاء حماية قضائية على الصحفيين المطبعين، تفقد قرار حظر التطبيع كل إلزامية له، وتحوله إلى حبر على ورق.

ومرة أخرى يعود إلى الإشارة للمادة 75 من قانون النقابة ويقول: "وكما حذرت منذ خمسة عشر عاما، وأثناء عاصفة كوبنهاجن، أن قانون النقابة يربط بين المؤاخذة التأديبية وميثاق الشرف الصحفي وآداب المهنة، وأن المادة 75 صريحة في أن الذي يؤاخذ تأديبيا هو الصحفي الذي يخالف الواجبات المنصوص عليها في قانون النقابة ولائحتها الداخلية ولائحة آداب المهنة، أو من يخرج على مقتضى الواجب في مزاولته للمهنة، أو يظهر بمظهر من شأنه الإضرار بكرامتها، أو يتنافى مع آدابها، وأنه ليس من بين واجبات عضو النقابة الواردة في القانون، أو في اللائحة الداخلية، أو في نصوص لائحة آداب المهنة وتقاليدها أي إشارة إلى أن بين هذه الواجبات التزام العضو بقرارات الجمعية العمومية، ولا تكون مخالفتها مبررا مشروعا للإحالة للتأديب وأن المبرر القانوني الوحيد لإحالة الصحفي للتأديب هو مخالفته لميثاق الشرف الصحفي وأن التوسع في ذلك وهو مخالفة آداب المهنة الذي لم تطبقه النقابة على امتداد 70 عاما سوف يفتح على الصحفيين أبواب جهنم".
ولست مع الزميل صلاح عيسى فيما ذهب إليه وفيما يؤسس عليه لتصدير قناعاته التي اعتاد على تكرارها خلال العامين الماضيين وليس قبل خمسة عشر عاما عقب عاصفة كوبنهاجن كما يقول الآن، لأنه وقتها وبالتحديد عام 1997 دافع عن قرار مجلس النقابة بإحالة الزميلين لطفي الخولي وعبدالمنعم سعيد إلى التحقيق.
وقال "إن مجلس النقابة لم يخطئ حين اعتبر المشتركين في تحالف كوبنهاجن مخالفين، ولفت نظرهم إلى هذه المخالفة، ثم قرار إحالتهم إلى لجنة تحقيق حين كرروا المخالفة، بل وأبدى أحدهم استخفافه بقرار النقابة"، ورفض في ذلك الوقت زعم البعض أن تكون هناك دوافع سياسية وراء من أصدروه، وقال: "قرار الجمعية العمومية ملزم وليس توصية، والادعاء بغير ذلك هو دعوة للقضاء على النقابة وتقويض لبنيانها" وقال: "لا أظن أن هناك علاقة بين الالتزام بقرارات النقابة وبين حرية الرأي حتى لو كان الأمر الذي صدر بشأنه القرار مما يدخل في نطاق الآراء مثل قرار حظر التطبيع، إذ من البديهي أن هذه القرارات قد صدرت بعد مناقشات حرة واحترامها وتنفيذها واجب على الجميع".
وقد أثار الأستاذ صلاح عيسى من قبل تفسيره الخاص لنص المادة 75 من قانون النقابة وكذلك نص المادة 72 من القانون نفسه الذي لم يشر إليه هذه المرة في مقاله الأخير ونصها كالتالي: "على الصحفي أن يتوخي في سلوكه المهني مبادئ الشرف والأمانة والنزاهة، وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون والنظام الداخلي للمهنة وآداب المهنة وتقاليدها".
وتنص المادة 75 على: "يؤاخذ تأديبيا طبقا لأحكام المادة 71 من هذا القانون كل صحفي يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو اللائحة الداخلية للنقابة أو لائحة آداب المهنة أو يخرج على مقتضى الواجب في مزاولته المهنة أو يظهر بمظهر من شأنه الإضرار بكرامته أو يأتي بما يتنافى مع قواعد وآداب المهنة".
إذن ـ وهو ما يتجاهله الأستاذ صلاح دائما في إثارته لهذا الموضوع ـ تشير المادتان بشكل لا لبس فيه إلى ضرورة قيام الصحفي بجميع الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون ومخالفة هذه الواجبات توجب المؤاخذة التأديبية، إضافة إلى مخالفة اللائحة الداخلية للنقابة أو لائحة آداب المهنة.. الخ، وهذه "الواجبات التي يفرضها هذا القانون" تعتبر القانون كله وحدة واحدة ولا يمكن أن نتعامل معه بطريقة انتقائية أو مجتزأة، وهو القانون الذي ينص في المادة 74 منه على أن يؤدي الصحفي الذي قيد اسمه في الجدول أمام مجلس النقابة، قبل مزاولته المهنة، القسم بالله العظيم أن يصون مصلحة الوطن وأن يؤدي رسالته بالشرف والأمانة والنزاهة والمحافظة على أسرار المهنة واحترام آدابها ومراعاة تقاليدها، أي أن القانون اعتبر مصلحة الوطن سابقة على أي شيء، وهو ما يمكن أن تعكسه قرارات الجمعية العمومية في قضية مثل حظر التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما أن جزءا من اختصاصات مجلس النقابة في المادة 47 هو دعوة الجمعية العمومية للانعقاد وتنفيذ قراراتها، أي أن المجلس مطالب بتنفيذ قرارات الجمعية العمومية، ثم إن المادة 33 تنص على اختصاصات الجمعية العمومية ومنها إقرار مشروع اللائحة الداخلية للنقابة، وكذلك لائحة آداب المهنة وتعديلها، فكيف لهذه الجمعية التي تقر اللائحتين ولها حق تعديلهما والتي يعتبر القانون مخالفتهما موجبا للتأديب، ألا يعتبر احترام القرارات التي تصدر عن هذه الجمعية من الواجبات التي يفرضها هذا القانون ومخالفتها توجب كذلك التأديب؟!
إن الجمعية العمومية في النقابات المهنية شأنها شأن المؤسسات الأهلية الأخرى هي السلطة الأعلى داخل النقابة التي يناط بها اختيار النقيب ومجلس النقابة ومحاسبتهم، وكان الأستاذ صلاح عيسى يعيد تذكيرنا دائما بأن عدم الالتزام بقرارات الجمعية العمومية هو دعوة للقضاء على النقابة وتقويض لبنيانها.
إن التخويف بسلطان القانون في مواجهة سلطة الجمعية العمومية أمر يبدو غريبا لأن الإلزام بقرارات الجمعية العمومية لا يمكن أن يتم خلسة وبعيدا عن أي رقابة، كما أن التظلم من أي قرارات صادرة عن النقابة هو حق لا يمكن لأحد أن يمنعه فهذا هو المنطق القانوني والنقابي السوي.
والزميل الكبير لم يتوقف فقط عند الاستعانة بالتفسير الخاص والقسري للقانون لإقناع الآخرين بحجته ووجهة نظرة، بل ذهب بعيدا هذه المرة باستخدام سلاح آخر هو المعلومات ليوضح لنا مدى كارثية الأمر وفداحته حين تقوم النقابة باستخدام آلية التأديب على هذا النحو المشار إليه، ويقول إن هذه أول مرة في تاريخ النقابة توقع فيها عقوبة تأديبية لأي سبب، وعلى أي صحفي، منذ أنشئت عام 1941، وأنه أول مرة توقع فيها النقابة عقوبة من أي نوع على الذين يخالفون قرار حظر التطبيع منذ صدر، وهي كذلك أول مرة في تاريخ النقابات المهنية المصرية توقع فيها إحداها، عقوبة تأديبية على أعضاء بها بسبب مخالفتهم لقرار أصدرته جمعيتهم العمومية.
ولا أعرف من أين أتى الزميل الكبير بكل هذه الجسارة في إلقاء هذه المعلومات في وجوهنا ومن أي مصدر استقاها؟!
ففي تاريخ نقابة الصحفيين وسجلها عشرات الحالات لاستخدام عقوبات تأديبية وإن كان أغلبها يتوقف عند عقوبة لفت النظر، كما أحيل عدد من الزملاء إلى لجنة التحقيق المنصوص عليها في قانون النقابة، بل وهناك حالات وصلت إلى الشطب النهائي بقرارات تأديبية. منها حالة محمد عبدالعال عام 1995 الذي أعلن تأييده للقانون 93 لسنة 1995 الذي أطلق عليه الصحفيون قانون حماية الفساد واغتيال حرية الصحافة، وكذلك حالة د.رفعت السعيد أخيرا عندما فعّل مجلس النقابة الحالي قرار مجلس النقابة السابق بإحالته للتأديب لقيامه بفصل أحد الزملاء تعسفيا ورفضه لكل جهود التسوية التي قامت بها النقابة، كما أن أسماء الحالات التي تم فيها توجيه عقوبة لفت النظر للزملاء الذين خالفوا قرارات حظر التطبيع شائعة شملت من بينها أسماء معروفة وأثارت ضجة لكن ليس هذا مجال نشرها.
وفي النقابات الأخرى يمكن أن يتحدث الزملاء الناطقون باسمها، لكن الصديق أشرف زكي نقيب الممثلين يذكرني بقرار شطب على سالم لمخالفته قرار الجمعية العمومية بحظر التطبيع وكذلك إحالة حالات أخرى للتحقيق، وكذلك هناك قرار تأديبي بوقف الفنانة حنان ترك عن العمل لمدة 6 أشهر لمغادرتها مهرجان مسرحي في الأردن كانت تمثل فيه مصر بعد يوم واحد من بدء أعماله مما اعتبر إساءة للفنانين المصريين. وكذلك قيام اتحاد الكتاب بشطب علي سالم لمخالفته أيضا قرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع.
هذا هو سلاح المعلومات الذي تم إشهاره في وجوهنا والذي أتى بعد استخدام سلاح قانون النقابة، وهما لا يصبان في المجري الذي يحاول الزميل الكبير صلاح عيسى أن يحفره لنا بدأب وصبر يحسد عليه.
ورغم اختلافي مع الزميل الكبير صلاح عيسى إلا أنني لست في حاجة لتكرار التأكيد على مكانته عندي أو تقديري له، ولست أتصور أن الذي أعطى من وقته وجهده الكثير للدفاع عن هذا الكيان النقابي، وأن الذي أسهم بدور ملموس في الدفاع عن الثقافة القومية والتحذير من مخاطر التطبيع والذي شارك في أغلب القرارات الصادرة عن الجمعيات العمومية في هذا الصدد، هو الذي يحمل معول هدم كل ما أسهم في بنائه وجعل الكثيرين يؤمنون به ويقاتلون من أجله.