الخميس، 18 مارس 2010

السلفيون وتمزيق صف المسلمين

لقي التيار السلفي على الرغم من الجدل الواسع الذي أثاره في معظم أنحاء العالم الإسلامي رواجا كبيرا خاصة في أوساط الشباب اعتقادا منهم أنه التيار الذي ينتمي إلى "السلف الصالح"، أو هكذا حاول مروجوه الإيحاء لنا.
لكن معظمهم لم يحاول أن يتبنى سبلا سليمة للتفكير يحرك بها حالة الجمود الفكري التي استحوذت على هذا التيار وأدبياته لزمن ليس قصير.
وحتى من داخل تيار الأخوان المسلمين الذي نختلف معه جذريا في المنهج يجد التيار السلفي نقدا واسعا ومن مقالات عمر مناصريه يرى أن السلفية "تيار خرج في مقولاته عن الصواب"، ويرى أن "التيار السلفي يعتقد في مجموعة من الأحاديث التي يتخذها منهجا له، وهذه الأحاديث إنما تم اجتزاؤها من الدين كله، ومنحت لها سلطة فوق السلطة، ومكانة فوق المكانة بتوظيف مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإقحام شخصه فيها، فأصبح الحديث نفسه مثيرا لتك السلطة وقابضا عليها، ثم أصبح الذين يأخذون بهذه الأحاديث، يمتلكونها أيضا، فحازوا في الأذهان سلطة ليست لهم، وأي تأمل بسيط يبين لنا خطأ هده القاعدة، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أوذي في نفسه وماله وأهله، وحاز المكانة التي استحقها بإعلانه فكرة جديدة لم تكن من قبل.
وقد نختلف مع مناصريه في أن الرسول لم "يعلن" لكنه أمر بأن يعلن على الناس رسالة الإسلام، ويرى مناصريه أن ما يقوم به السلفيون "توظيف خاطئ للسنة، لأنه يجتزئ منها فقط ما يخدم أغراض السلفية".
وهكذا.. حقيقة التيار السلفي أن أصحابه يعيشون مأزقا حقيقيا سببه فساد المنهج، ولعل هذا ما توضحه آراء واحد من القيادات السلفية المصرية وهو أسامة القوصي الذي ترك الجمل بما حمل، وغادر هذا الفكر والتيار بكامله.
ويرى العديد من المحللين أن التيار السلفي امتداد للفكر الوهابي، وهو يمتد بين مساحتين.. بين تكفير المجتمع، وبين اختراق المجتمع ومؤسساته...
والقوصي يرى "ضرورة تغليب الإيجابيات في المجتمع وتقليل السلبيات وهذا لا يتم بالهروب من المجتمع باختراق النقابات والمجالس النيابية على أساس نحن السلف جسم غريب في هذا المجتمع، بل يجب الرجوع إليه"، ويرى أن "الانفصال عن المجتمع وترك الدنيا والتعالي على المجتمع هو الخطأ الأكبر".
لقد ظل التيار السلفي يعتبر المجتمع ومؤسساته خارجا على الدين وإلى حد تكفير المجتمع بكياناته ومؤسساته وعندما أصابهم تطورا قرروا "اختراق" المجتمع والعمل على سيادة توجهاتهم وأفكارهم.
وينتمي السلفيون في العالم الإسلامي حاليا إلى أفكار متشددة طرحها محمد بن عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية، وترجمها فقهاء غلاة من أمثال بن باز، وعدد من علماء هذا التيار وظفوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في دعم منهجهم الفكري.
ولا يعتبر أسامة القوصي "الخارج على تيار السلف" الأخوان المسلمين بعيدون عن هذا التيار تماما ويرى أن طروحات "سيد قطب"، و"أبو الأعلى المودودي" التي طرحت أحكام "تكفير المجتمع والأنظمة والشعوب" خاصة في مرحلة الستينيات هي التي أفرزت تيارا مشوها من الوجهة الفكرية وتمكنت من استقطاب عدد كبير من الشباب في الجامعات تمكنت جماعة الأخوان والسلفيين من استغلاله بشكل مدمر.
ويقول القوصي إنه " يجب على الفرد أن يدقق في كتب التي يقرأها وينتقيها فهناك كتب سيد قطب، وهناك شرائط إبراهيم عزت، وهناك علماء الحرم حينما ذهبت أنا إلى هناك واستمعت لهم عشت في حيرة كبيرة، والغريب أنه قد اتفق المختلفون عن القطبية بأن العدو الأول: هو الأنظمة الحاكمة والغرب، وهذا هو التصور الخاطئ الذي وقع فيه الكثير، حيث رأيت الاختلاف الكبير بين علماء مصر وبين فكر القطبيين والمودودي وبين إبراهيم عزت، وأخيرا علماء السعودية الذين رأيتهم مختلفين عن الجميع".
كما يعتبر أن "انتشار الفضائيات ومشايخ السلف أوقع الباب في حيرة كبيرة"، وهي حقيقة، وإذا خاطبت أي من حملة هذه الرؤى عليك أن تسأله لماذا تبنى هذا الفكر تحديدا ولم يتبن غيره من الفكر الإسلامي، وأي طرح هو الصحيح... أراني مندهشا بشدة فالله واحد، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نعرفه جميعا فما سبب الخلط وتعدد الرؤى والأفكار والجماعات... فهذا سلفي وذاك أخواني وآخر ينتمي إلى الجهاد... وهكذا... حين تسأل أيهم أحق بأن نتبع لا يمكن أن تجد إجابة منزهة عن الهوى...
والعزلة أو الانعزال عن المجتمع بالتأكيد ليس حلا لذا يطالب القوصي بإنهاء هذه "العزلة"، وأن "الصواب في العودة إلى المجتمع"، ويطالب القوصي الشباب المنتمين للتيار السلفي برفض فكرة "الصدام مع المجتمع"، بل "فهمه"، والعمل على التغيير عبر العلم واستقاء العلم من مصادره الشرعية".
الأزمة الحقيقية في أن نشأة التيار السلفي بالأساس كانت خاطئة على الأقل في العصر الحديث حين "عرفت منطقة نجد تحالفا بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود أحد الزعماء القبليين بنجد عام 1744، ودشن لقاء الرجلين تقاسما لشؤون الدين والدنيا عرف باتفاق الدرعية وطبع السعودية بطابعه حتى الآن" – المعرفة، أحمد بن أحمد سالم، الجزيرة نت.
وهكذا نرى أن التيار بالأساس نشأ ليستخدم في تحقيق مطامح ومصالح، وأسهم وجوده في تفكيك الدولة العثمانية، وليس حديثنا دفاعا عنها، لأنه فكك الخلافة العثمانية ودعم وجود أنظمة ارتبطت مصالحها الكبرى بالغرب بشكل مباشر.
الأزمة الكبرى في التيار السلفي أنه ينتمي إلى واحد من تيارات الفتنة.. والفرقة... والحرص على إضعاف صف المسلمين.