بالنسبة لى، لم يكن الجدل الذى أثاره مقالى الماضى "أنا ضد ترشيح البرادعى" مفاجئا، لكن المفاجأة أن أنصار التغيير- ولست واحدا من خارج هذا التيار- استعملوا فى الحوار منهجا غير لائق، بل لم يكلف سوى واحدا منهم وسعه للتعرف على وجهات نظر الكاتب من خلال مقالاته السابقة، وكان من الأولى أن يسعى أصحاب وجهة نظر التغيير إلى الاستماع لآراء أخرى.
الاتهامات التى حملتها التعليقات تراوحت بين انتمائى للحكومة، وهذا غير صحيح، وما بين انتمائى لفكرة ترشيح ومساندة حمدين صباحى لأنى قلت فى مقالى "إن أى جندى شارك فى حرب أكتوبر أو عامل ساهم فى بناء السد العالى له الحق أكثر من البرادعى فى الترشح لرئاسة مصر".
والحقيقة أنى أنتمى إلى ملايين المصريين الذين يهتمون بغد أطفالهم، ويعرفون جيدا قدر بلادهم وتاريخها، ومن حقنا أن نعبر عن وجهات نظرنا دون إرهاب فكرى لأن لا أحد يملك حق المصادرة على آراء الآخرين باعتبار أنه يعرف الأصلح لنا أو بمنطق فرض الوصاية.
ببساطة شديدة، أعرف أن الرجل لم يرشح نفسه للرئاسة بعد، وهو أمر أستوعبه جيدا، لذلك قلت "أرفض ترشيح البرادعى للرئاسة"، ومقابل هذا لم أقل أبدا إنى مع استمرار الأوضاع الحالية.
وجيد أن يكون هناك جدل بحجم الجدل والتعليقات والاتصالات الهاتفية التى ما زلت أتلقى بعضها تعقيبا على ما كتبت، وجميل أيضا أن يهددنى بعض المعلقين بأنهم سيترصدون ما أكتب ويتابعونه عن كثب، لكن المهم أننى أدعو الجميع إلى محاولة الاستماع للآراء الأخرى.
وأجد البديل فى قلب بلادنا، أجد البديل مصريا مثقفا واعيا يحب البلاد والناس، منهم ليس بعيدا عنهم، لم يقض حياته فى أروقة الأمم المتحدة التى "لا يشرفنى أن أقف على عتباتها"، وهو ردى على أحد المعلقين فى دعم وجهة نظره لترشيح البرادعى بأنه كان هناك فى هذا الموقع الذى لا أستطيع أنا وأمثالى الوقوف عند عتباته.
وعند لحظة بعينها، سألت نفسى لماذا لم يفكر المصريون أبدا فى أن يكون لهم خيارهم؟، لماذا لا يفرزون من بين صفوفهم من يستحق أن يقودهم؟، وفى الماضى القريب سلموا حكم أنفسهم للمماليك القادمين من وراء البحر.
حين طرح الكاتب الكبير الأستاذ هيكل فكرة إنشاء مجلس أمناء للدولة تضم أسماء مثل السادة عمرو موسى ومحمد البرادعى وعمر سليمان رئيس المخابرات العامة انساق الجميع وراء الفكرة من دون إدراك أن من حقنا وحتى من حق المؤيدين أن يناقشوا ويعرضوا لماذا أيدوا.
وفيما أظن كانت المرة الأولى التى كان يطرح فيها اسم الدكتور البرادعى، كصاحب دور فى مستقبل البلاد، وفى تقديرى أيضا أن الخاصة فى مصر استطاعوا بتقديرات هشة خرجت من أبراج عاجية لم تخلط بالزحام وعرق العمال والفلاحين، استطاعوا أن يجروا جموعا من الناس فى فترات مختلفة من تاريخ مصر إلى اتخاذ الخيارات التى تلائم دوما القوى الكبرى المتحكمة فى مسارات الجغرافيا والتاريخ.
وعندى الدليل من التاريخ لمن يقرأ، فقد شهدت مصر أعظم ثوراتها حين بدت ملامح فجر جديد فى فبراير سنة 1881 عندما سجن الخديوى توفيق أحمد عرابى، وعبد العال حلمى، وبعيدا عن تفاصيل واحدة من أعظم ثورات المصريين فكلنا نعرف أنها فشلت، وأفشلها الخاصة، الذين يعلوا شأنهم فى المجتمع لمجرد أنهم يمتلكون أوضاعا استثنائية تنتمى إلى الأبراج العاجية.
قاد الثورة المضادة لثورة المصريين الوافد من وراء البحار جمال الدين الأفغانى الذى كان ومازال شخصية يكتنفها الغموض والسرية، وهو مؤسس المدرسة الإصلاحية، وأستاذها الأول، وأحد قادة الماسونية فى مصر، ومؤسس المحفل الماسونى التابع للشرق الفرنسى، وهو أيضا الذى تصدى للكاتب ومفجر الثورة بين الناس عبد الله النديم.
ومن المفارقات أننا شاهدنا تغيرا، أعتبره "مريبا"، فى موقف الإخوان من البرادعى، فقد أعلن قادة الجماعة تأييدهم للدكتور البرادعى، لكن المثير أن شباب الإخوان استغربوا ما اعتبروه "السماح للبرادعى بالصعود فوق تاريخ الجماعة"، وتساءل شباب الإخوان، "أين تاريخ البرادعى فى النضال والكفاح الوطنى؟"، و"هل تأييد العوام للبرادعى مؤهل كى يتصدر القادة؟"، و"عندما كان البرادعى رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ماذا فعل من أجل الأمن القومى لمصر، وهى مهددة بالسلاح النووى الإسرائيلى؟"، وطرح شباب الإخوان محاور أخرى، منها أن الرجل "يحمل أجندة غربية"، وأن "خطته للإصلاح غامضة"، ومواقفه من فقراء مصر "غير واضحة".
وما أود أن أقوله، نحن نحتاج رئيسا لمصر تفرزه الناس لا يفرزه الخاصة الذين عبروا البحر وعاشوا فى مفاتن وسحر أوروبا وأمريكا، وبين الناس والشباب فى بلادنا من نفخر بأن يكون مطروحا ومرشحا ومغيرا، وهذا ليس قطعا بصحة نهائية لوجهة نظر قدر ما هو مطلب بالحوار والمناقشة، علها تكون حرثا جديدا فى الأرض المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بتعليقاتكم